معسكرات إنجلترا التحضيرية الماضية وإشكالاتها

-ترجمة جنى محمد-

طلبت مجموعة من كبار لاعبي إنجلترا الإجتماع مع مدربهم (سفين جوران إريكسون) قُبيل استعدادهم لمباراة ربع نهائي كأس العالم ضد البرتغال في عام 2006. 

كانوا يشعرون بالقلق؛ فقد كانوا معزولين -نظريًا- عن العالم الخارجي في فندقٍ مطل على (نهر الراين والغابة السوداء)، وكان الواقع خلاف ذلك حيث كانت تسكن عائلاتهم بالقرب منهم في مدينة بادن-بادن والذي كان عاملًا مشتتًا لهم.

رغب معظم اللاعبين بتواجد عائلاتهم بالقرب منهم ولكن خرج هذا عن السيطرة مما شكل هيجانًا إعلاميًا حول ما يسمى بـ (WAGs) أي (الزوجات والصديقات) والتي سمّاها ريو فرديناند لاحقًا ” بما يشبه السيرك”. كان للاعبين حرية الذهاب والمجيء كما يحلو لهم؛ فقد ذهب أحدهم لرعاية أطفاله والآخر للإحتفال بعيد ميلاد قبل أيامٍ من بدء أحد أكبر البطولات في حياتهم.

قال غاري نيفيل بعد سنوات في سيرته الذاتية (Red): “لقد كانت القضية الهزلية الوحيدة في عهد (سفين)، فكل ما أراده لنا توفير الجو المريح ، ولكن بوصولنا إلى ألمانيا تحول الوضع إلى أمر باعثٍ للسخرية”.

وقد مرت ليالٍ انشغل فيها اللاعبون عند خلودهم للنوم بالتفكير حول ما يحدث في الأسفل في بار (غاريبالدي)، حيث تتراقص زوجاتهم على الطاولات مخلفاتٍ فواتيرًا ذات أربعة أرقام مردداتٍ أغنية “نحن الأبطال”. وكان من الحضور صاحبتا الصيت المعروف (فيكتوريا بيكهام وشيريل تويدي) التي تزوجت لاحقًا من آشلي كول في ذلك الصيف، بينما أصبح الآخرين مشاهير في تلك اللحظة بين عشية وضحاها في بادن-بادن، وكان لبعض اللاعبين كـ(نيفيل) تحفظات حول ما يحدث، كما اختلف الحضور في رأيهم حول وجود الكاميرات بين مؤيد ومعارض.

لم يرتبط قلق اللاعبين بشأن زوجاتهم وحسب، بل امتد للقلق حول ما ستُفصح عنه عائلاتهم أو حتى أصدقائهم في حالة سكرهم للصحفيين المقيمين معهم في ذات الفندق، ووصف نيفيل الأمر بالسخافة وحمّل (إيركسون) ما حدث من فوضى قائلاً إنه لم يكن ليحدث مثل هذا التهاون في ناديه (مانشستر يونايتد).

لطالما اختلف (إريكسون) مع من يحمّله مسؤولية ما حدث إذ يشعر أن الأمر أشبه بذر الرماد على العيون، وأنه ربما يتعارض مع “الطبيعة البشرية” حين يُحرم اللاعب من فرصة رؤية عائلته بعد التدريب، وبذلك برر أسباب إقصاء فريقه أمام البرتغال لأمرين، أولهما هو نزيف الدم من (واين روني) الذي طُرد بسبب دعسه لـ(ريكاردو كارفاليو)، والثاني هو فقدان اللاعبين -المتوقع- لأعصابهم بعد ضربات الترجيح والذي ندم عليه المدرب بعدم استعانته بأخصائي نفسي للمساعدة في تخفيف قلق لاعبيه حول حيالها.

ولكن نيفيل شعر بأن أداء إنجلترا طوال كأس العالم عكس نهجًا عشوائيًا حيث تمادى بعض اللاعبين في شعورهم بأجواء العطلة، وقال في كتابه: “آمل أن يشعروا بالخجل حين يتذكرون ما حدث. على اللاعب الإنجليزي أن يبقى خالي الذهن فمن الصعب اللعب للمنتخب دون التعرض لما يشتت الانتباه.”

كان النهج المعاكس هو المتبع في كأس العالم التالية في جنوب إفريقيا عام 2010 بعد قصة “السيرك” في بادن-بادن قبل أربع سنوات، حيث اختار (فابيو كابيلو) العزلة في الحرم الرياضي (the Royal Bafokeng)  في هايفيلد بالقرب من روستنبرج، ولو اختار مقرًا آخر في كيب تاون أو جوهانسبرج أو ديربان لصارت عائلات اللاعبين بقربهم. وهذا ما لا يرغب به كابيلو، حيث أجاب حين سُئل عن إذا ما كان هناك إمكانية لزيارة عائلاتهم: “لا لا، بالتأكيد لا، فنحن هنا لخوض المباريات وليس لقضاء العطلة من فضلك.”

شعر اللاعبون الإنجليز بالعزلة خلال كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا.

كانت الشكاوى هذه المرة عكس السابق تمامًا، حيث اشتكى اللاعبون من عدم وجود مكانٍ للراحة فلا مفر من (السجن الفاخر) -كما وصفه بيتر كراوتش-، وقد تواجدت بعض عائلات اللاعبين بالقرب منهم لكنهم لم يتمكنوا من رؤيتهم إلا في اليوم التالي بعد نهاية آخر مباراة لهم، حيث كان لكابيلو رأي مختلف تمامًا بشأن جدول اللاعبين أثناء البطولة، إذ كانوا ينتهون من التدريب عند الساعة الواحدة ظهرًا ويتفرغون بقية اليوم. 

تحدث (روني) حول الروتين الممل والإستلقاء على السرير في الثانية ظهرًا: “الإفطار فالتدريب ثم الغداء فالسرير والعشاء ثم السرير مجددًا” ولكنهم قدموا أداءً بائسًا في البطولة بعد أن ختموا مشاركتهم بالخسارة الساحقة أمام ألمانيا 4-1 في دور الـ16.

ولكن السؤال الذي أثار الكثير من الجدل داخل اتحاد كرة القدم الإنجليزي بعد كارثة 2010: ما هو التعامل الفعلي الذي يرغب به هؤلاء اللاعبون؟ إذا عُوملوا بتساهل للغاية في بادن-بادن وبصرامة شديدة في روستنبرج، فما هي الإجابة؟

بعد أحد عشر عامًا، يشعر (جاريث ساوثجيت) وفريقه بأنهم حصلوا على التوازن الصحيح وهذا أثناء استعداداتهم لكأس الأمم الأوروبية في روكليف هول في مقاطعة دورهام، حيث سينتقلون الأسبوع المقبل إلى سانت جورج بارك في ضواحي ستافوردشاير.

عمل (أدريان بيفينجتون) مع الاتحاد الإنجليزي لمدة 17 عامًا، حيث بدأت مسيرته بالعمل في مجال الصحافة وانتهى به الأمر كمدير مجلس المنتخبات في الاتحاد الإنجليزي الذي أُنشئ في عام 2010، وقد كان ضمن الاتحاد الإنجليزي خلال عشر بطولات بدءًا من كأس العالم 1998 في فرنسا إلى نسخة 2018 في روسيا، ويشير(أدريان) إلى الحجم الهائل للعمل والتخطيط لمثل هذه البطولات بغض النظر عما يُقال حول المعسكرات الجيدة والسيئة فيقول معلقًا على ما حدث في بادن: “كانت هناك بعض الأسباب المختلفة؛ فقد تواجد العديد من اللاعبين مع زوجاتهم ذوي الصيت الاجتماعي مما جذب انتباه غير معتاد.”

ويكمل قائلًا: “لا أعتقد أنه كان هناك خطأ فادح حول ما حدث في بادن-بادن، فالفندق ومرافق التدريب كانت رائعة و(سفين) كان رجلاً هادئًا وأراد للاعبين أن يشعروا بالراحة قدر الإمكان ويختارون ما يفضلون فعله في أوقات فراغهم، كان سعيدًا لوجود أسرهم حولهم ووافقه الرأي الكثير من اللاعبين في ذلك الوقت، لكن هل نسمر بالسيرك الإعلامي ذاته إذا عاد الوقت مع تلك المجموعة من اللاعبين إلى 2006 مرة أخرى؟ غالبًا لا، لكنني أعتقد أن تلك الفترة كانت أكثر إمتاعًا من عام 2010؛ ففابيو هو الجانب المعاكس لسفين، حيث كان الجميع قبل البطولة يعتبرون قرار عزلة اللاعبين قرارًا ذكيًا بالإبتعاد عن كل شيء، ولكن بعد الخروج من البطولة اعتبروه سببًا للنتائج السلبية. أنا متأكد من أننا لو واجهنا الولايات المتحدة وهزمناها في مباراتنا الأولى أو تغلبنا على الجزائر في المباراة الثانية  لكان الرأي العام حول مسألة المعسكر أكثر ايجابية.”

ومع ذلك فقد كان هناك اعتراف من بيفينجتون وآخرين في اتحاد كرة القدم بما فيهم كابيلو -بترددٍ قليل- بأن معسكرهم في جنوب إفريقيا كان صارمًا أكثر من اللازم.

يُبالغ كثيرًا في الربط بين مقر المعسكر والأداء ويُستخدم في كثيرٍ من الأحيان كعذر، ولكن في الرياضة التي ترسخت فيها أخيرًا ثقافة “المكاسب الهامشية” فيجب أن يكون هناك طريقة أفضل من التطرف لجانب واحد. ما هو الهدف من القيام باستثمارات ضخمة في العلم الرياضي وقضاء سنوات في التخطيط لكل التفاصيل الدقيقة لجدول البطولة، من الأمن إلى النقل إلى أوقات الوجبات وتنظيمها، إذا كان اللاعبون بائسين؟

في بطولة الأمم الأوروبية 1996 وهي آخر مرة لعب فيها المنتخب الإنجليزي على أرضه في بطولة كبرى، بدأت استعداداتهم برحلة ذات انطباع سيء إلى هونغ كونغ، حيث سمح تيري فينابلز للاعبيه بالخروج وتناول المشروبات بعد مباراتهم الاستعدادية الأخيرة قبل عودتهم إلى لندن في اليوم التالي.

انتشرت صور للعديد من اللاعبين فيما كان يُشار إليه باسم “كرسي طبيب الأسنان” حيث كان اللاعب يستلقي على ظهره بينما تُسكب المشروبات على أنواعها في فمه. تصدّر (بول جاسكوين وستيف ماكمانامان وتيدي شيرينغهام) الصفحات الأولى بملابسهم الممزقة سيئة المظهر، وظهرت صور تصرفاتهم الغريبة في حانة (China Jump) أسوأ مما كانت عليه في الواقع، أحد اللاعبين لم يوافق على هذا الرأي قائلًا أن الوضع كان أسوأ بكثير. 

بعد أن عادوا إلى الديار وسط أجواء من الجدل والغضب الأخلاقي أقام المنتخب في شواطئ برنهام في فندق مانور هاوس في باكينجهامشير بعد المزيد من قصص سوء التصرفات على متن رحلة العودة من هونج كونج. لكن وقع الشعب الإنجليزي ببطء في حب فريق (فينابلز) على مدار الأسابيع الأربعة التالية، كان اللاعبون يتمتعون بحرية الاسترخاء كما يرغبون – فمعظهم استغرق وقته في لعب الجولف والبطاقات والسنوكر، أو الذهاب للصيد كديفيد سيمان، أما (غاسكوين) فقضى وقته في لعب كرة الطائرة أو لعبة الفيديو (Three Lions) أو الركض حول ممرات الفندق بقميصٍ حول رأسه.

أما ساوثجيت ذو ملامح الرجل الكبير على الجسد الشاب ففضل لعب (سكرابل) مع بعض كبار أعضاء الفريق، ولكن في اليوم التالي تغير عليه المشهد كليًا بعد الفوز في ربع النهائي على إسبانيا.

كان (ستيوارت بيرس) يائسًا من الهروب لمشاهدة حفلة (Sex Pistols) في (فينسبري بارك) فلم يسمح (فينابلز) له، ولكن سمح لهم بعدما أُبلغ بأن الشاب العاقل ساوثجيت سينضم لهم. وفي ذروة منافسة يورو 96 وقبل ثلاثة أيام من الدور نصف النهائي المصيري أمام ألمانيا، وجد بيرس وساوثجيت نفسيهما على خشبة المسرح في فينسبري بارك، حيث دُعيا لتقديم أحد أكثر الحفلات المنتظرة بفارغ الصبر في المملكة المتحدة.

كان أغلب لاعبي المنتخب عام 1996 أسماء مألوفة على الأقل في الوقت الذي انتهت فيه البطولة. ولكن في تلك المرحلة فإن فكرة لاعب كرة القدم كشخصية مشهورة لم تترسخ بشكلٍ كامل ناهيك عن شهرة زوجاتهم أوصديقاتهم، فإن ما بدا مسموحًا به في عام 1996 -سواء حادثة كرسي طبيب الأسنان أو رحلة (فينسبري بارك)- سرعان ما أصبح مستحيل التصور، هكذا كانت الطريقة التي كثفت بها وسائل الإعلام التركيز على مدى السنوات التي تلت ذلك وبالتحديد على حادثة (ديفيد بيكهام).

اختار الاتحاد الإنجليزي معسكره في جزيرة أواجي في كأس العالم 2002، يتذكر داني ميلز: “كانت الإجراءات الأمنية مشددة، فقد تواجدت طائرة حربية خارج الفندق أو كانت تحلق حول الساحل عند ذهابنا للتدريب، كان يبدو الأمر سيرياليًا إذ تتبعنا أينما نذهب. 

كنا نتواجد بالقرب من كل شيء في المدينة لكننا لم نستطع الذهاب لمشاهدة معالمها بسبب مسألة الأمان وشهرة ديفيد بيكهام، فكلما ذهب لاعب إلى أي مكان بملابس رياضية أو قميص المنتخب، كان الناس يصرخون “بيكهام!” أيًا كان اللاعب حتى لو لم يمتلك قصة الشعر ذاتها (Mohawk).”

كانت تلك بداية ثقافة الإغلاق المنافية ضد تيار إريكسون، فاللاعبون غير قادرين على تجاوز أراضي الفندق، وبذلك قضى اللاعبون معظم أوقاتهم في الطابق السفلي، يقول ميلز: “كان لدينا قاعة كاملة مفعلة لترفيه اللاعبين؛ تنس الطاولة والسينما وألعاب الفيديو المختلفة  (Old School  – Pacman – Star war) والأخيرة لعبة صيد تحدى فيها الجميع (ديفيد سيمان)”.

يقول بيفينجتون: “قد يختلف الأمر من بطولة إلى أخرى، ولكن كان هناك تنسيق قياسي جدًا، فكان الشيء المهم هو إيجاد مساحة للاعبين للاسترخاء داخل الفندق أو الملاعب – مساحة للأفراد- ولكن أيضًا مساحة مشتركة للجميع. نعم، هم هنا لكأس العالم أو بطولة الأمم الأوروبية، لكنهم يقضون معظم الوقت في فندقهم. لذلك من المهم منحهم مساحة يمكنهم من خلالها لعب السنوكر والبلياردو ورمي السهام وتنس الطاولة وألعاب الفيديو على اختلافها.”

ويكمل قائلًا: “لقد حرصنا أيضًا على وجود مساحات هادئة للاعبين حتى يتمكنوا من الاسترخاء لوحدهم أو برفقة شخصٍ ثان، كما وفرنا الكثير من الكتب والمجلات للقراءة.”

كانت غرفة الألعاب في بطولة 2010 هي الأكبر والأفضل حتى الآن إذ أعجبت كابيلو وطاقمه فشاهدوا المباريات هناك، فأصبح اللاعبون أقل استرخاءً وأكثر حذرًا في تلك الغرفة وصار كل شيء انفراديًا بشكلٍ أكثر مما قادهم إلى التواجد في غرفهم والإعتماد على مشاهدة أقراص DVD، ففي ظهر أحد الأيام، ذهب (جيرمين ديفو) إلى غرفة روني لمشاهدة فيديو زفافه، كانوا يفعلون أي شيءٍ لكسر الملل.

شاهد ايضاً..

شرح: قوانين فايروس كورونا في يورو 2020

-اشتروا لاعبيهم بـ 25 مليون وباعوهم بـ 250 مليون- لما يعد ليستر أذكى الأندية في مسألة الإنفاق؟

الوكالة الملكية لبيع وشراء أندية كرة القدم

وفي يوم ما بعد الظهر ذهب اللاعبون في رحلة سفاري إلى حديقة بيلانيسبيرج المحلية فشعروا بالسعادة الغامرة لمجرد وجودهم في العراء متأملين الأفيال وبعض الحيوانات، بعد كل تلك الساعات التي أمضوها محدقين في جدرانهم الأربعة.

لكنهم واجهوا مشكلتين؛ الأولى هو تتبعهم وتعقب كل تحركاتهم من قبل مجموعة من المصورين، والثانية أنهم أرادوا حقًا رؤية بعض الأسود، فتوجه المرشدون السياحيون نحو الطرف البعيد من المنتزه بحثًا عن الخصوصية والأسود، ورغم هذا لم تظهر- ولا حتى عندما حاولوا إغرائهم من خلال تشغيل تسجيلات صوتية لأصوات حمير وحشية.

ثم حل الظلام فجأة وانخفضت درجة الحرارة بشكل كبير كما يحدث في الوادي في ذروة شتاء جنوب إفريقيا، فسارع ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد وروني وزملاؤهم بتدفئة أنفسهم بالبطانيات بعد أن كانوا نهارًا بقمصانهم وملابسهم الرياضية.

لكن أحد السائقين ضاع فكانت لدى بعض اللاعبين فرصة لتأمل النجوم، والذي لم يدر في ذهن كابيلو قبل أربعة أيام فقط من مواجهة الولايات المتحدة في مباراتهم الافتتاحية للبطولة، وبعدها لم يذهبوا لرحلات السفاري مرة أخرى.

كان كابيلو قد أفسح المجال لروي هودسون في يورو 2012، لكنه شارك في المعسكر الإعدادي المقام في فندق وسط المدينة كراكوف بعد عزلة معسكر جنوب إفريقيا. 

وكان من أحد سبل الاستعداد لتلك البطولة هي تقمص دور (السيّاح الجيدين) عوضًا عن (القفص المذهّب) -كما أسماه هودسون- الذي يتمتع فيه اللاعبون بمرافق رائعة لكن كل ما كان يرونه هو مجرد لاعبين آخرين. أما في بولندا فكانت هناك رحلات للزيارات التعليمية إلى أوشفيتز ومصنع أوسكار شندلر للمينا، وقد شُوهد اللاعبون يتجولون في شوارع  كراكوف لاحتساء القهوة أو تناول البيتزا. يقول بيفينجتون: “كانت الأمور في نصابها الصحيح، فلم يكن هناك (سيرك) في كراكوف.”

كان كأس العالم 2014 في البرازيل أكثر صعوبة إذ أراد اتحاد الكرة إقامة معسكر في ريو دي جانيرو ولكن كان هناك تخوفٌ أمني من مغادرة الفندق كما حدث في اليابان قبل 12 عامًا. يقول (ريكي لامبرت) مهاجم ساوثهامبتون وليفربول السابق: “كانت المدينة مذهلة، لكننا لم نشهد الكثير منها وهو أمر مؤسف بعد أن حدثت بعض الفوضى بعد ذهاب بعضنا إلى الشاطئ.”

وقعت هناك حادثة في البرازيل لم يُكشف عنها في ذلك الوقت، فقد ذهبت مجموعة من اللاعبين لجولة جولف بجوار الفندق في ساو كونرادو، وكان (فيل جاجيلكا وجيمس ميلنر) آخر المجموعة، وفي عودتهم سيرًا إلى الفندق بعد حلول الظلام؛ بدأت مجموعة من السكان المحليين في الركض وراءهم فركضوا مبتعدين، ثم مرت بجانبهم سيارة ذات نوافذ سوداء ففتحت الأبواب ومدت الأذرع محاولين سحبهم. خاف جاجيلكا وميلنر على حياتهما إذ اقتنعوا أنهما على وشك الاختطاف، لكنهما سرعان ما شعروا بالراحة بعد إدراكهم أنهم أحد أعضاء الفريق الأمني ​​للاتحاد الإنجليزي، فقفزوا إلى السيارة وتنفسوا الصعداء.

أما معسكر يورو 2016 في شانتيلي فكان أكثر هدوءًا، ولكن كان هناك حد لمدى رغبة اللاعبين حول موضوع “السياح الجيدين” فكان هودسون يرى أحقية اللاعبين بالاستمتاع بوقتهم فحثهم على المجيء للتدريبات على الدراجة أو حتى ركوبها في أوقات أخرى في الغابات المحيطة والريف بعد التمرين. لكن روني والبقية لم يقتنعوا بذلك حتى ولو كانت رغبتهم، حيث كانوا مُدركين بأنهم سوف يُلاحقون من قبل المصورين المحيطين بهم، وإن تذمروا حول قيود “القفص المذهب” فقد كان يُشعرهم بالطمأنينة على الأقل.

كان مقر المنتخب الإنجليزي في كأس العالم 2018 في روسيا خارج بلدة ريبينو الصغيرة المطلة على خليج فنلندا، فشعر الصحفيون الذين بقوا في الجوار أن آفاقهم كانت محدودة فلا يمكنهم معرفة الكثير، لكن اللاعبين كانوا مستمتعين في (Country Club ForRestMix) فبالإضافة إلى ما اعتادوا عليه من وسائل الترفيه، كان هناك ملعب لكرة السلة وجهاز محاكاة القيادة وجميع أنواع الشاشات لمدمني لعبة (Fortnite) كما قام اللاعبون برحلة إلى متحف هيرميتاج في سانت بطرسبرغ. 

كان الإختلاف الكبير في مزاج اللاعبين أكثر من المرافق المحيطة بهم، إذ أراد ساوثجيت الاسترخاء للاعبيه، وعندما سُئل عن المشكلات التي واجهها كابيلو قبل ثماني سنوات قال “رجالنا مرتبطون بطريقة مختلفة” ولم يُعرف بوضوح ما كان يقصده سواء بالمقارنة مع الأجيال السابقة أو لاعبي المنتخبات الأخرى. كما قال أن المفتاح الذي يمتلكه مع اللاعبين هو تحقيق التوازن الصحيح؛ في بيئة يمكن لهم فيها التركيز أو الاسترخاء حين يحتاجون إليه. 

تحدث (جون تيري) بعد بطولة 2010 عن شعوره بالخوف من الابتسام أو الضحك أثناء التدريب عندما تحيط به الكاميرات أو الصحفيون: “من الأفضل ألا نضحك اليوم لأننا سنضع نهايتنا بأنفسنا وسننتشر في جميع الصفحات الأولى تحت عناوين (انظر إلى هؤلاء اللاعبين الضاحكين! هذا دليل على عدم اهتمامهم.) 

أما في روسيا فكان العكس؛ ففي اليوم التالي لفوز إنجلترا على بنما 6-1 نشر الاتحاد الإنجليزي صوراً لـ (كيران تريبير وجوردان بيكفورد وجيسي لينجارد وهاري ماجواير) وهم يتسابقون في حوض السباحة، لقد كان معاكسًا لما اتبعه كابيلو من صرامة.  

وامتدت هذه الأجواء الجيدة إلى علاقة اللاعبين بالإعلام؛ فقبل كل لقاء أو مقابلة يتنافس اللاعبون والصحفيون في لعبة رمي السهام أو البلياردو أمام كاميرات التلفاز، وكانت هذه منافسة تميل إلى كفةٍ واحدة بالطبع – (لكن دانيال تايلور) سجل انتصارين نادرين لصالحهم إذ تفوق على تريبير في لعبة رمي السهام وعلى فاردي في البلياردو. 

كان أحد النتائج الملحوظة هو مدى الراحة في العلاقة بين الطرفين، ليس فقط على طاولة البلياردو ولكن في المقابلات التي تلتها، حيث اُستبدل شعور “هم ونحن” بشعور مفاجئ بالتكاتف حيث تحدى الفريق التوقعات السلبية قبل البطولة بالوصول إلى الدور نصف النهائي.

لكن هل كان هذا الجو سيظل مرحًا لو تعادل المنتخب الإنجليزي في مباراتيه الافتتاحيتين أمام تونس وبنما كما تعادل مع الولايات المتحدة والجزائر في نسخة 2010؟ غالبًا لا. لكن ساوثجيت شعر أن الأمر كله جزء من المعادلة ذاتها، إذ أراد أن يتطلع اللاعبون إلى واجباتهم تجاه الإعلام بدلاً من الخوف منهم كما كان الحال في الماضي، وكان كسر الجليد جزءًا مهمًا من ذلك.

بعد ثلاث سنوات، وجد ساوثغيت ولاعبيه أنفسهم متطلعين مجددًا إلى إعادة بعث ما حدث في ريبينو على أرض وطنهم.

فشل الإنجليز على مر السنين في بطولة تلو الأخرى، فأصبح هناك ميل إلى تشخيص لاعبي كرة القدم الإنجليز بمتلازمة الإعتدال (Glodilocks)، هذا المدرب شديد الغضب والآخر ذو شخصية باردة، هذا المدرب صارم للغاية أما ذلك فلطيف، وهذا معسكر صارم جدًا بينما السابق  فيعم بالتساهل.

وهذا ينطبق على مواقف أخرى أيضًا، فقد كانت شكوى اللاعبين الرئيسية في عام 2014 هي مقدار الوقت الذي يستغرقونه في تنقلاتهم اليومية في حركة المرور من فندقهم في (ساو كونرادو) إلى مكان التدريب في (أوركا) مرورًا عبر الأماكن المزدحمة في إيبانيما وكوباكابانا، وكانت تستغرق هذه الرحلات 40 دقيقة ذهابًا ومثلها عودة حتى وإن كانت بمرافقة الشرطة. وعلى عكس هذا فقبل أربع سنوات كانت الشكاوى في جنوب إفريقيا حول عدم التنقل بالحافلة وكسر روتين يومهم إذ كانوا يتوجهون مباشرة من فنادقهم إلى معسكر التدريب.

هل يمكن أن تحدث هذه المشكلة في سانت جورج بارك في الأسابيع المقبلة؟ وهل ستُتبع المنهجية ذاتها المتبعة في الحرم الرياضي (The Royal Bafokeng) حول تناول الطعام والتدريب والنوم في المكان ذاته يومًا بعد يوم؟ إذ لا خيارات للتنزه حيث يقع المعسكر على بعد ستة أميال من أقرب مدينة (بورتون أبون ترينت).

من الملاحظ أن ساوثجيت وطاقمه اختاروا نهجًا مختلفًا بدلاً من أن يقيموا في سانت جورج بارك طوال الفترة، فتجمعوا السبت الماضي بدءًا في (Rockliffe Hall) وكانوا يستخدمون مرافق تدريب (Middlesbrough) في مبارياتهم الاستعدادية ضد النمسا ورومانيا، ومن ثم سينتقلون إلى جورج سانت بارك.

ووفقًا للوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فيجب أن تبقى الفرق قبل 24 ساعة من المباراة ضمن دائرة على بعد 60 كيلومترًا من الملعب، وهو ملعب ويمبلي بالنسبة لمجموعة إنجلترا. لكن ساوثغيت يريد أن يخرج عن الجدول الزمني أكثر من خلال البقاء بعد التمرين في ملعب توتنهام هوتسبير في الأيام ما بين مباراة إنجلترا الثانية (ضد اسكتلندا) والثالثة (ضد جمهورية التشيك). وقد تنتهي مشاركتهم في البطولة عند هذا الحد، لكن ساوثجيت يأمل أن تسهم هذه التغييرات في المشهد على كسر الروتين والاحتفاظ بشعور التجديد في مرحلة خروج المغلوب.

ولكن في نهاية المطاف فنجاح المعسكر أو فشله يتعلق بأكثر من مجرد المرافق والمكان وما يحيط به، إذ يرتبط  بالمزاج السائد بين اللاعبين والجهاز الفني ومدى انعكاس هذه الروح على الأداء والنتائج الإيجابية.

يقول بيفينجتون: “ربما يكون التواجد في مكان مشابه لسانت جورج بارك خطوة عقلانية لتوفير الراحة، ولكن الأهم من ذلك هو أن غاريث خلق بيئة للفريق يستمتع اللاعبين والموظفين بكونهم جزءًا منها، إذ استمتع باللعب تحت قيادة تيري فينابلز في يورو 96. نعم نحن في زمن مختلف، لكننا نعلم أيضًا أن شعبنا سيكون متحمسًا للغاية حول البطولة وسيأمل غاريث من لاعبيه أن يسيروا على ذات المنوال.”

كان ساوثغيت وزملاؤه في شواطئ برهام قبل 25 عامًا يتناوبون لتحديد اللاعبين الذين سيخرجون للتوقيع للجماهير في مدخل الفندق، لكن العدد كان يتزايد مع الشعور المتزايد بالسعادة على مدى تلك البطولة، ووصل إلى الذروة بحلول الدور نصف النهائي.

أما هذه الأيام فالأمر مختلف جدًا، فلا يمكن تخيل فيل فودين وهو يتجول خارج المعسكر ذاهبًا للصيد، أو أن يحضر بعض اللاعبين إلى أحد الحفلات في ظهر أيام الأحد كما فعل ساوثجيت وبيرس في صيف عام 1996. سيظل لاعبو إنجلترا متقوقعين طالما كانوا منافسين في البطولة، وقد يكون الحال أشد في ظل قيود COVID-19.

لكن المفتاح – دائمًا- هو التأكد من أن اللاعبين سعداء في تلك القوقعة حيث يمكنهم الإنعزال أو الاسترخاء متى ما أرادوا. كما يجب التأكد بأن الجو احترافي دون الإفراط في ذلك، تمامًا مثل العثور على التوليفة الصحيحة على أرض الملعب، إذ تدور المسألة كلها حول التوازن.

-تقرير أوليفر كاي عبر ذا اتليتيك-

شاهد أيضاً

ماغواير: الهزيمة في نهائي يورو 2020 ستبقى عالقة في الأذهان حتى نفوز ببطولة كبرى

ماغواير: نحن نعرف إلى أي مدى كنا قريبين من الحصول على اللقب، فقد كانت هذه أكثر مرة نكون فيها قريبين من أن نصبح أبطالا لأوروبا. لقد كان الأمر مؤلما، وسيظل دائما مؤلما. إنه مؤلم لكل المشجعين، وليس للاعبين والطاقم الفني فحسب». ويضيف: «هل سننجح في التغلب على خسارة المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية بركلات الترجيح؟ ربما سننجح في ذلك لو فوزنا بإحدى هذه البطولات الكبرى!

حكاية الجملة الشهيرة ” It’s Coming Home “

قبل 25 سنة تم نشرها، واليوم هي الشعار الأول لجماهير منتخب انجلترا بالبطولات الكبرى.

ساوثغيت المتمرد

انجلترا تصل الى النصف النهائي الثاني تحت قيادة ساوثغيت

أغلف الصحف الانكليزية بعد الفوز على المانيا في ويمبلي

غلاف ديلي ميرور : حان وقت الحلم.

الإتحاد الإنجليزي يرغب بتجديد عقد ساوثغيت

الرئيس التنفيذي للإتحاد الإنجليزي : نود استمراره بالتأكيد

اهلاً وسهلاً، شاركنا رأيك او استفسارك للإجابة عليه في اقرب وقت ممكن